الدراعة الموريتانية
تعد العولمة إحدى أهم الروافد الجديدة على المجتمع الموريتاني، ورغم انفتاح الموريتانيين على مختلف الوسائل الإعلامية العالمية وما رافق ذلك الانفتاح من تغييرات طرأت على سلوك الكثير من شباب اليوم من حيث العادات والتقاليد، إلا أن الزي الرجالي الموريتاني المعروف بالدراعة ظل يحافظ علي مكانته باعتباره زيا مقدسا لا يجوز التخلي عنه رغم انتشار محلات الملابس الغربية ومحاولتها إيجاد موطئ قدم لها في قلوب بعض الموريتانيين.
الدراعة هي ثوب فضفاض وله فتحتان واسعتان على الجنبين خيط من أسفل طرفيه وله جيب على الصدر، وهي في لأصل زي إفريقي انتشر في موريتانيا حوالي النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وكانت الدراعة في أول أمرها تخاط من كميها دون أن يكون لها جيب وتسمى "الملكية" ثم طورت على يد الولاتيين (سكان ولاته) الذين استحدثوا لها جيبا وطرزوها، وكانت خمسة عشر ذراعًا أي سبعة أمتار ونصف، ثم عرفت الدراعة بعد ذالك تطورا على مستوى الخنط "الشگة" أو "لمظلع"، فكانت بيضاء أو مصبوغة بالأزرق الفاتح أو الداكن أو الأبيض المنضوخ بالأزرق.
يختلف المجتمع الموريتاني عن المجتمعات الأخرى التي تعاني من تراجع أهمية الأزياء الشعبية لصالح الأزياء العصرية، لذالك تبرز أهمية الدراعة عند الموريتانيين وخصوصا أثناء الأعياد الدينية أو المناسبات الاجتماعية، فالعادات والتقاليد تؤثر بشكل مباشر على أذواق الناس، وتفرض عليهم ارتداء الزي التقليدي الذي يعتبر بالنسبة لهم دليلا على الاحترام والمكانة الاجتماعية،كما تعتبر الدراعة رمزًا وطنيًا يفتخر به معظم السكان، نظرًا لخصوصيته الاجتماعية والتاريخية، كما يصنفها البعض على أنها سفيرة موريتانيا في المجتمعات الأخرى، بالإضافة إلى أن معظم المثقفين والموظفين الرسميين يؤكدون على ضرورة إرتداء الدراعة حتى في أماكن العمل، وما يبرهن على ذالك إصرار السفراء الموريتانيين على ارتداءها أثناء القيام بمهامهم في الدول الاخرى للتمسك بالثقافة الموريتانية، كما أنها مريحة و تناسب البيئة والمناخ الصحراوي.
وأخيرا يمكن القول أن الشعب الموريتاني متمسك بزيه التقليدي منذ القدم باعتباره جزءا لا يتجزأ من هويته الوطنية و الإنسانية، كما أن خياطة الدراعة الموريتانية تعتبر في حد ذاتها فنّا يؤكد أصالة وتميز هذا الزي الذي ظل يتحدى كل المتغيرات، فمع التقدم الحاصل في مختلف المجالات فإن الدراعة لا تزال هي زي الرجل الموريتاني الأول، فلم تستطع البدلة الرسمية والملابس الحديثة أن تزعزع مكانتها حتى يومنا هذا.
تعليقات
إرسال تعليق